توافقت مجموعة أوبك+ المصدّرة للنفط يوم 5 تشرين الأول/ أكتوبر على تخفيض الإنتاج اليومي للنفط بحوالي 2 مليون برميل، بما يُمثل 2% من الاحتياجات العالمية اليومية. وتتحمل كل من السعودية وروسيا مليون برميل يومياً من التخفيضات؛ تتوزع بينهما مناصفة، بينما تأتي كل من العراق والإمارات بحصة تخفيض تقترب من 400 ألف برميل يومياً، وتتوزع بقية التخفيضات على أكثر من 15 دولة.
التوافق يأتي في ظل الصراع الذي تخوضه الدول الغربية لتأمين احتياجاتها من الطاقة، وموجة التضخم العالمي التي تهيمن على الأسواق العالمية، بما يعني مزيداً من الارتفاع في أسعار الطاقة، حيث ارتفع سعر برميل النفط بأكثر من دولارين عقب إعلان القرار؛ مع احتمال ارتفاعه أكثر في الأيام المقبلة.
اعتبرت المتحدثة باسم البيت الأبيض (كارين جان-بيير) أن دول أوبك بلس “تقف إلى جانب روسيا”، كما ظهرت تسريبات في واشنطن بعد صدور القرار بأن الكونغرس قد يتوجه لتفعيل قانون فيدرالي يتعلق بمكافحة الاحتكارات، أي أن الولايات المتحدة سوف تدخل في معركة كسر عظم مع أوبك نفسها.
هذا القرار جاء في ظل استعداد الإدارة الأمريكية لانتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ستجري يوم 8 تشرين الثاني/ نوفمبر، وفي ظل مساعي واشنطن لمساعدة أوروبا في تأمين الموارد النفطية بأسعار مخفضة قبيل بدء فصل الشتاء.
كما جاء هذا القرار بعد عدة أشهر على زيارة الرئيس بايدن إلى الرياض، والتي كانت تهدف أمريكياً بصورة رئيسية لحث السعودية على زيادة الإنتاج النفطي اليومي ليصل إلى 13 مليون برميل، وهو ما استجابت له السعودية جزئياً خلال الفترة الماضية، قبل أن توافق في اجتماع أوبك+ على تخفيض الإنتاج بصورة كبيرة.
القرار يصبّ في صالح الدول المنتجة والمصدرة للنفط لجهة قدرتها على زيادة مواردها عند سعر نفط مرتفع وبالتالي، تصحيح اختلالات مالية نتجت عن أسعار نفط منخفضة أثناء وباء كوفيد-19، كما يأتي القرار في صالح منح هذه الدول أهمية أكبر في الوضع العالمي الحالي لجهة التفاوض على ملفات مهمة، فالسعودية تسعى لتحصيل اعتراف غربي بأخذ حقوقها بعين الاعتبار في أي اتفاق يحصل مع إيران، كما ترغب بالضغط على الغرب للموافقة على إعادة تأهيل ولي العهد محمد بن سلمان.
وترى روسيا أن قراراً كهذا يأتي لصالحها وفي الوقت المناسب، لجهة الضغط الممكن على الغرب في مجال النفط علاوة على الغاز، ويساعد موسكو في إضعاف أوروبا في حرب الطاقة التي يأمل بوتين في الفوز بها خلال فصل الشتاء.
ويتوقع أن ترفع الولايات المتحدة من قدرتها الإنتاجية، وتخفض من مخزون النفط الإستراتيجي لديها، مما سيدفع بسعر النفط لمستوياته السابقة. وستبقى الدول الأوروبية هي الحلقة الأضعف في معادلة الطاقة الحالية على المدى القصير، ولكن المدى الطويل قد يكشف عن كثير من التحولات خاصة في الاعتماد على مصادر نفط متنوعة وكسر احتكار كبار المنتجين في سوق الطاقة، وهو ما يجعل قرار هذه الدول “قصير النظر” بحسب وجهة الرئيس الأمريكي.
أي أننا من الناحية الاقتصادية أمام موقف اقتصادي صعب في الدول المستوردة للنفط، خاصة على أعتاب فصل الشتاء، فيما سيصبّ مالياً وحتى سياسياً في صالح دول أوبك+ على المدى القصير.
إلا أن قرار التحالف في هذا التوقيت بالذات يبدو ابتزازاً واضحاً لواشنطن، وهو ما قد يترك آثاراً عميقة على علاقة بعض دول التحالف مع الولايات المتحدة، وربما يترتب عليه دفع أثمان سياسية واقتصادية باهظة على المدى المتوسط والبعيد.
المصدر : ابعاد