أخبار

ميناء الفاو الكبير.. جزء من مشروع عراقي تركي يريد منافسة قناة السويس

أحيت عمليات تطوير ميناء الفاو الكبير آمال مشروع طريق التنمية العراقي الطموح الذي تروّجه الحكومات المتعاقبة منذ 20 عامًا أو يزيد، ليكون أقصر ممر نقل بين الشرق الأوسط وأوروبا متجاوزًا قناة السويس.

ويخطط العراق لبدء تشغيل هذا الميناء خلال العامين المقبلين، وسط منافسة دولية كبيرة على الفوز بعقد تشغيله، تقودها الشركات الصينية الراغبة في ضمان موضع قدم في إحدى المشروعات المنافسة لطريق الحرير العالمي الذي أطلقته الصين تحت مسمى (مبادرة الحزام والطريق).

وأعلنت الشركة العامة للمواني العراقية -مؤخرًا- اختيار 11 شركة شحن دولية مؤهلة لدخول منافسة الفوز بعقد تشغيل ميناء الفاو الكبير الذي تنفّذ أعماله التحتية شركة دايو الكورية الجنوبية (Daewoo).

وضمّت قائمة المتنافسين على تشغيل الميناء عددًا من الشركات الصينية والهندية، إضافة إلى شركات من تايوان والفلبين وفرنسا، كما ظهرت شركة من الإمارات تحمل اسم أيه بي إم غلوبال شيبنغ (ABM Global Shipping).

وأكملت شركة دايو الكورية بناء 5 أرصفة في مشروع ميناء الفاو الكبير تُمثّل المرحلة الأولى حتى الآن، وسلّمتها لإدارة المواني العراقية -مؤخرًا-.

وترصد وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشطن)، في هذا التقرير، أبرز المعلومات حول الميناء وخطط تطويره والتحديات التي واجهها، وصولًا إلى التحديات التي تواجه مشروع طريق التنمية الأكبر الذي يحلم العراق بإطلاقه منذ أكثر من عقدين.

يقع مشروع ميناء الفاو الكبير جنوب محافظة البصرة الغنية بالنفط، وتبلغ مساحته قرابة 54 كيلومترًا بعد توسيع خططه، ومن المتوقع أن يصبح واحدًا من أكبر مواني في الشرق الأوسط، وعاشر أكبر ميناء عالميًا من حيث القدرة المخططة لاستيعاب 99 مليون طن سنويًا.

وبلغت التكلفة الأولية المرصودة لهذا المشروع قرابة 4.8 مليار دولار، وقد وُضِع حجر أساسه لأول مرة في أبريل/نيسان عام 2010، لكن أعماله تعثرت أكثر من مرة بسبب خلافات مالية ومشكلات سياسية وأمنية عانى منها العراق خلال العقدين الماضيين، ليعاد وضع حجر أساسه مرة أخرى في أبريل/نيسان 2021، مع زيادة التكلفة المتوقعة إلى 5.4 مليار دولار.

وتشير أحدث توقعات للمشروع إلى أنه قد يبدأ التشغيل في عام 2026، بعد اختيار الشركة الفائزة بتشغيله في يناير/كانون الثاني 2025، على أن يصل إلى الطاقة القصوى المصممة لاستقبال 3.5 مليون حاوية سنويًا، بدءًا من عام 2028، وفق ما نقلته وكالة رويترز.

ووقّعت مجموعة مواني أبوظبي في أبريل/نيسان 2024 اتفاقية تمهيدية مع الشركة العامة لمواني العراق، لإنشاء مشروع مشترك لتطوير ميناء الفاو الكبير والمنطقة الاقتصادية المحاذية للميناء.

وميناء الفاو الكبير هو أحد المكونات الرئيسة في خطط مشروع طريق التنمية العراقي الأكبر، الذي يستهدف بناء ممر نقل دولي ضخم بين آسيا وأوروبا ينافس كل الممرات البحرية التقليدية المعروفة مثل قناة السويس ورأس الرجاء الصالح من حيث المسافة والوقت.

وكانت بغداد قد استضافت في 27 مايو/أيار 2023 مؤتمرًا إقليميًا لوزراء النقل في دول الخليج العربي، إضافة إلى وزراء إيران وسوريا وتركيا والأردن وممثلين عن الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، لكنه لم يضم ممثلًا لمصر.

وخُصِّص هذا المؤتمر أساسًا لمناقشة خطة الحكومة العراقية لإحياء طريق التنمية الإستراتيجي الضخم الذي يستهدف جعل بلاد الرافدين ممرًا لنقل البضائع بين آسيا وأوروبا.

تستند فكرة مشروع طريق التنمية العراقي إلى قدرة البلاد أن تكون ممرًا أو همزة وصل لحركة التجارة الدولية، مثل مصر، على افتراض أن الموقع الجغرافي يؤهله ليكون ممرًا بريًا قصير المسافة بين آسيا وأوروبا، ما يوفر الوقت والتكلفة مقارنة بالمسارات البحرية الدولية الرئيسة المارّة من قناة السويس إلى أوروبا.

ويفترض هذا التصور أن شركات النقل البحري الدولية ستتحفز للتحول إلى المواني العراقية -ميناء الفاو الكبير تحديدًا-، لتفريغ حمولتها، قبل نقلها بريًا عبر السكك الحديدية، أو الشاحنات، إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا.

وعلى أساس أن تركيا ستكون نقطة مرور البضائع والسلع إلى أوروبا، فمن المقدَّر ألّا تستغرق رحلات الشحن بين شرق آسيا وشمال أوروبا أكثر من أسبوعين، ما قد يمثّل منافسة شديدة مع قناة السويس الممر الأقصر تاريخيًا لحركة التجارة بين آسيا وأوروبا.

استنادًا إلى هذه الفكرة، يعتمد مخطط المشروع على ربط ميناء الفاو الكبير بشبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية التي تمتد من جنوب العراق إلى منطقة فيشخابور الحدودية مع تركيا، ومن خلال هذه الشبكة تمرّ السلع والبضائع القادمة من آسيا إلى أوروبا والعكس.

ومن المخطط أن يصل طول شبكة الطرق التي ستربط جنوب العراق بالحدود التركية قرابة 1200 كيلومتر، بينما سيبلغ طول شبكة السكك الحديدية قرابة 1175 كيلومترًا، ستُقسم بين قطارات المسافرين والبضائع.

كما يُخطط لإنشاء مدن صناعية ومشروعات خدمية على طول شبكة الطرق التي صُمِّم مسارها عبر الصحراء بعيدًا عن المدن، لسهولة التضاريس وعدم الحاجة إلى بناء الأنفاق المكلفة التي تضطر إليها المشروعات العابرة للمدن.

وتُقدَّر التكلفة الإجمالية لمشروع ربط ميناء الفاو الكبير بتركيا قرابة 17 مليار دولار، منها 6.5 مليار دولار لشبكة الطرق السريع، و10.5 مليار دولار لسكة القطار الكهربائي.

ومن المقرر إنجاز هذه المشروعات على 3 مراحل، تنتهي الأولى في 2028، والثانية في 2033، والثالثة بحلول عام 2050، بحسب تفاصيل الخطة الاستثمارية التي اطّلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.

يروّج العراق لمشروع طريق التنمية بوصفه مشروعًا تنمويًا شاملًا يستهدف تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط بشدة، وخلق فرص عمل جديدة قد تصل إلى مليون فرصة بعد إكماله.

كما يستهدف المشروع تعزيز التنمية المحلية عبر المحافظات والمناطق التي سيمرّ عبرها المشروع، وعددها يتجاوز 12 محافظة، إضافة إلى تشجيع الهجرة السكانية خارج المدن المكتظة، وفتح آفاق الاستثمار أمام القطاع الخاص.

وتُقدّر الحكومة العراقية عائدات المشروع في حالة تنفيذه بنحو 5 مليارات دولار سنويًا، ما سيوفر مصادر دخل إضافية غير ريعية في بلد تعتمد ميزانيته على عائدات النفط بنسبة تتجاوز 90%.

وثمة بُعد جيوسياسي للمشروع، يفترض أن تعزيز الروابط والمصالح الاقتصادية بين دول المنطقة المتصارعة يمكنه أن يسهم في استدامة الاستقرار والسلام مع تحجيم ومحاصرة النزاعات المستقبلية.

وتروّج الحكومة العراقية إلى أن مشروع طريق التنمية صار ضرورة ملحّة للعالم مع تفاقم الحروب والتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وآثارها السلبية في الممرات المائية التي تنقل البضائع من أوروبا إلى آسيا والعكس، بحسب مستشار رئيس الوزراء لشؤون النقل، ناصر الأسدي.

مشروع طريق التنمية بديل قناة السويس.. هكذا يرى متابعون لهذا المشروع منذ بداية طرح الفكرة.

ويشير مخطط مشروع طريق التنمية إلى أنه سيكون منافسًا لقناة السويس، لاستهدافه حركة التجارة بين آسيا وأوروبا وترويجه لنفسه على أنه أقصر الطرق وأقلها تكلفة بين القارتين أمام شركات الشحن الدولية.

كما يروّج القائمون على المشروع إلى أن مرور البضائع عبر طريق التنمية يضمن عدم تعرُّضها للتلف أو الفقد، لأن عملية التفريغ والشحن ستحدث مرة واحدة من البحر إلى البر، خلافًا لعمليات التحميل والتفريغ التي تحدث أكثر من مرة في المسارات البحرية الأخرى.

كما لا يخفي المسؤولون العراقيون أن هذا الطريق سينافس قناة السويس ورأس الرجاء الصالح، وإن كانت تصريحاتهم في بعض الأحيان تشير إلى أنه سيكون مشروعًا مكملًا لقناة السويس ومواني المنطقة الأخرى في دبي وأبوظبي وغيرها.

يقول مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون النقل ناصر الأسدي، إن السفن والناقلات التي تخرج من ميناء شنغهاي إلى ميناء روتردام عبر الطرق البحرية، مثل قناة السويس، تستغرق 33 يومًا، ولكن إذا مرت عبر طريق التنمية البري، فلن تستغرق أكثر من نصف هذا الوقت.

وأوضح أن وقت الشحن من ميناء الفاو الكبير إلى باريس قد يستغرق ما بين 24 و72 ساعة فقط، مقارنة بنحو 15 يومًا تستغرقها البضائع للوصول عبر مسار قناة السويس.

ومع ذلك، أكد الأسدي في تصريحات أخرى أن مشروع طريق التنمية سينعش جميع المواني في المنطقة -ليس ميناء الفاو الكبير فقط-، وسيكون مكملًا لها، كما يمكن أن يكون مكملًا لقناة السويس في حالات الطوارئ المتصلة بأحداث جنوح السفن وغيرها، مع تأكيده أن حكومة العراق تفكر في التعاون مع كل دول المنطقة وموانيها للاستفادة الجماعية.

تحديات مشروع طريق التنمية

رغم التصورات المتفائلة بمشروع طريق التنمية بين الداعمين، فإنه ما يزال يواجه تحديات حول قدرته على منافسة المسارات البحرية التقليدية مثل قناة السويس التي يمرّ منها معظم التجارة بين آسيا وأوروبا (قبل التوترات الجيوسياسية الأخيرة التي أفقدتها نصف إيراداتها نتيجة تحول الناقلات إلى طريق رأس الرجاء الصالح).

ويواجه المشروع تحديات جغرافية متمثلة في محدودية إطلالة العراق على الخليج العربي (شبه المغلق)، بعيدًا عن مسارات النقل البحري الرئيسة بين آسيا وأوروبا، ما قد يُضعف قدرته على منافسة قناة السويس.

ويعزز من ذلك أن شركات النقل البحرية الكبرى قد تأقلمت مع مسارات الطرق القائمة التي أُنشئت حولها مجموعة من المواني المحورية لخدمات التجارة، ما قد يصعِّب على ميناء الفاو الكبير بإطلالته المحدودة، ووقوعه في أعلى الخليج، إقناع تلك الشركات بتغيير مساراتها بسرعة على الأقل.

كما أن اعتماد المشروع على تعددية وسائل النقل البحري والبري، وطول مسافات النقل برًا، مع احتمال عمليات المناولة من ناقل إلى آخر، قد تؤدي إلى ارتفاع تكلفة استعمال هذا الطريق بما يتجاوز تكلفة عبور قناة السويس.

ويزيد من التحديات الارتفاع المحتمل في أسعار التأمين على بضائع ستسلك طرقًا برية طويلة عبر صحارى تمرّ من بلاد هشة من حيث الوضع الأمني، بحسب ما جاء في ورقة بحثية أعدّها خبير اقتصادات النقل الدولي وسلاسل الإمداد، زياد الهاشمي.

على الجانب الآخر، ثمة انتقادات موجهة للحكومة العراقية تتصل بحجم الإنفاق الضخم على المشروع، وكميات الكهرباء الضخمة اللازمة لتشغيل شبكة نقل وسكك حديد تمتد على مسافة أكثر من 2500 كيلومتر، خاصة أن البلاد تعاني أزمة كهرباء، مرشّحة للتصاعد خلال السنوات المقبلة.

ثمة تحديات إقليمية أخرى تواجه مشروع طريق التنمية، أبرزها زيادة المخاوف من استغلال تركيا لتحمُّس العراق للمشروع بفرض شروط أمنية محرجة فيما يتعلق بالتهديد الأمني الذي يمثّله حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، ما قد يؤثّر بالاستقرار السياسي والأمني.

وهناك تحدٍّ آخر من جانب إيران التي تضغط على العراق لتنفيذ مشروع الربط بين مدينة الشلامجة الحدودية والبصرة عبر السكك الحديدية لتعزيز تجارتها عبر العراق بوصفه مركز عبور للتجارة و المسافرين ونقل البضائع من موانيها، وخصوصًا ميناء الخميني.

على الجانب الآخر، تبدو الكويت متوجسة من مشروع طريق التنمية الذي يعتمد على ميناء الفاو الكبير الواقع في مقابلة ميناء مبارك الكبير الذي واجهت الكويت قيودًا في تطويره منذ عام 2011 بسبب الرفض العراقي المتكرر، ومشكلات ترسيم الحدود القديمة بين البلدين.

ورغم ترحيب كل هذه الدول بمشروع طريق التنمية في نهاية المطاف، وحضور وزراء النقل فيها لمؤتمر بغداد الأخير في مايو/أيار 2023، المخصص لمناقشة هذا المشروع، فإن هذه الخلافات قد تظهر على السطح من حين لآخر، خاصةً أن المشروع ما زال في مراحله الأولى، وقد يمتد أجله لأكثر من 30 عامًا.

اترك تعليقاً

إغلاق