أخبار
استيراد نفايات أوروبا.. جدل في المغرب بشأن الهدف والأضرار.. لأغراض صناعية وإنتاج الطاقة
أثار قرار حكومي مغربي باستيراد نفايات من أوروبا جدلا في الشارع المغربي، وتحول إلى قضية رأي عام أعادت إلى الأذهان حادثة 2016، عندما رضخت الحكومة للضغط الشعبي، وأوقفت صفقة استيراد النفايات الإيطالية.
وأعلنت الحكومة المغربية استيراد أكثر من مليوني طن من النفايات المنزلية والعجلات المطاطية من الدول الأوروبية، وكشفت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، في ردها على سؤال برلماني بأن المغرب سيقوم باستيراد “حوالي 980 ألف طن من الأزبال المنزلية من فرنسا، وما يقارب 31 ألف طن من إسبانيا، وما يفوق المليون طن من بريطانيا، و60 ألف طن من السويد، و100 ألف طن من النرويج”، مضيفة أن هذه العملية “ذات أهداف صناعية”.
وقالت الوزيرة، إن استيراد النفايات غير الخطرة مؤطر ببنود اتفاقية “بازل” الأممية المتعلقة بنقل النفايات خارج الحدود التي وقع وصادق عليها المغرب.
خفض لتكلفة الطاقة وخلقفرص عمل
وتبرر السلطات استيراد النفايات بأنه يساهم في خلق فرص لليد العاملة الوطنية، بما يزيد عن 300 منصب شغل مباشر وغير مباشر في معامل الإسمنت التي تقوم بالتدوير الطاقي لهذه النفايات.
ويقول الخبير في البيئة والمناخ، محمد بنعبو، إن الأمر يتعلق باستيراد نفايات “غير خطيرة وغير مضرة بالبيئة”، والتي يقر بها المغرب عبر توقيعه على عدد من الاتفاقيات الدولية.
مصادر الطاقة صديقة للبيئة
ويشير بنعبو إلى أنها ليست أول مرة يستورد فيها المغرب مثل هذه النفايات من أجل استعمالها في إطار الصناعات التحويلية وفي إطار الحفاظ على الطاقة.
ويتابع الخبير، أن الصناعة لها كلفة طاقية كبيرة “لذلك ننفتح على مثل هذه البدائل الطاقية التي تكون بأقل تكلفة كربونية”، “نستورد مثل هذه النفايات لاستعمالها في الصناعت التحويلية مثل الإسمنت”، بحسب بنعبو.
ويرى بنعبو، في حديثه لموقع قناة الحرة، أن مصادر الطاقة هذه هي صديقة للبيئة، وهذه النفايات عادة ما ترافقها بطاقات تقنية، وتقرير الخبرة الذي يأتي من الدولة المصدرة للنفايات، كما يقوم المغرب أيضا بإنجاز تقارير خبرة للتأكد من سلامة هذه النفايات قبل استعمالها.
وشدد الخبير على أنه مع استيراد النفايات، إن كانت ستخصص للصناعات التحويلية ويعارض استيراد النفايات التي يتم ردمها والتي يمكن أن تضر بالإنسان والتنوع البيولوجي، بحسب تعبيره.
مكب نفايات أوروبا
وقالت الوزارة، إن المغرب يركز على الاستيراد من الدول الأوروبية التي تتميز بجودة عالية لأنظمة، ووسائل فرز ومعالجة النفايات مما يضمن الحصول على منتج ليس له تأثير مضر بالبيئة وبالصحة العامة للمواطنين.
تبريرات السلطات لم تقنع نشطاء البيئة، وهاجم التجمع البيئي لشمال المغرب قرار الحكومة وقال في بيان إنه يتنافى مع مقتضيات الدستور المغربي الذي ينص على على حق المواطن العيش في وسط بيئي سليم.
غازات سامة
ورفض التجمع تحويل المغرب إلى مطرح لنفايات الدول الأوروبية، مشيرا إلى أن المواطنين وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بالشأن البيئي تفاجأوا بقرار ليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي لترخيص استيراد ما يزيد عن مليونين ونصف طن من العجلات المطاطية والنفايات المنزلية من الدول الأوروبية تنافيا مع روح المواطنة ومهمتها في الحفاظ على ما تبقى من كرامة بيئية للمواطنين المغاربة.
يقول المهندس الزراعي والناشط البيئي، محمد بنعطا، إن هناك تخوف لدى المجتمع المدني من تصريح الوزيرة حول استيراد نفايات منزلية وعجلات مطاطية دون تقديم توضيحات أكثر عن طبيعتها.
وأشار بنعطا في حديث لموقع “الحرة” إلى أن هناك دولا تستورد نفايات أيضا، ولكنها تصنف على أنها “نفايات هامدة” مثل الخشب والتي يعاد تدويرها أحيانا بنسبة تصل إلى 100%، لكن في حالة المغرب لم توضح الوزيرة طبيعة النفايات المستوردة.
واستغرب الناشط من دفاع الوزيرة عن استعمال نفايات العجلات المطاطية في إنتاج الطاقة في معامل الإسمنت، واعتبارها ذلك آمنا للبيئة رغم أن الأمر ينتج عنه غازات سامة.
وقال بنعطا إن العجلات المطاطية لايتم تدويرها في المغرب كما يتم في بعض الدول بل يتم حرقها لإنتاج الطاقة وهو ما يهدد بإنتاج غازات سامة تؤثر سلبا على البيئة.
واتهم الناشط لوبيات باستيراد مثل هذه النفايات لاستعمالها من أجل إنتاج الطاقة بدل استعمال الطاقات البديلة والمتجددة التي تحافظ على البيئة.
ويحاول المغرب توسيع قدرته على تدوير النفايات، وفي 2012، أنشأت مجموعة “ايليفان فير” (الفيل الأخضر) في المنطقة الصناعية اجروبوليس بمدينة مكناس (وسط) أكبر مصنع في افريقيا متخصص في تدوير وانتاج المواد العضوية والسماد الطبيعي.
وهو يشغل نحو خمسين عاملا بطاقة انتاجية تناهز 40 ألف طنا من المواد العضوية.
تنتج الشركة السماد العضوي وتضيف إليه الفسفور أو البوتاس.
يتم بيع المنتج أساسا في السوق المغربية لصالح المزارع البيولوجية والمنشآت الزراعية الكبرى التي تعاني اراضيها من الاستعمال المكثف للأسمدة الكيميائية.
وتبدو ملامح تطور وازدهار لقطاع انتاج المواد العضوية في المغرب خصوصا مع ظهور مبادرات مثل مركز معالجة وتثمين النفايات الفرنسي “سويز” في مدينة مكناس (يعالج سبعة آلاف متر مكعب)، لكن البلاد لم تتمكن بعد من ارساء منظومة فعالة لتثمين النفايات.
قضية رأي عام في المغرب
وفي 2016، تحولت شحنة نفايات إيطالية “مستوردة” إلى قضية رأي عام في المغرب، بعد إعلان الرباط عزمها حرق 2500 طن من النفايات المطاطية والبلاستيكية، وهو ما جعل وزارة البيئة هدفا لحملة شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة على وزيرة البيئة آنذاك حكيمة الحيطي التي تعرضت لانتقادات كبيرة وصلت حد مطالبتها بالاستقالة.
آنذاك قررت الحكومة أمام موجة الانتقادات، إيقاف استيراد النفايات من الخارج، “في انتظار استكمال التحريات من أجل اتخاذ قرار نهائي في الموضوع”.
يذكر أنه في عام 2022، بلغت قيمة سوق إدارة النفايات العالمية 1.3 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يسجل هذا السوق معدل نمو سنوي بنسبة 5.4%، ليصل إلى 1.96 تريليون دولار أميركي عام 2030.
ووفق تقرير مجلس الاتحاد الأوروبي، فإنه على الرغم من أن معظم النفايات الخارجة من الاتحاد الأوروبي تتم معالجتها محليا، فإنه يتم تصدير كميات كبيرة تقدر بنحو 33 مليون طن إلى دول خارج الاتحاد، بزيادة قدرها 75 في المئة عن عام 2004.
وتستورد تركيا وحدها نصف تلك النفايات بشكل رسمي، ثم تأتي بعد ذلك مصر، ومن ثم الدول المغاربية مجتمعة، لا سيما المغرب وتونس.