أسعار الغاز المسال في آسيا تواجه حالة من الضبابية خلال 2023

تواجه أسعار الغاز المسال في الأسواق الآسيوية حالة من الصبابية خلال العام الجاري (2023)، وسط توقعات باستمرار حالة عدم اليقين التي تسيطر على الاقتصاد العالمي بشدة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فبراير/شباط 2022.

ويتخوّف التجار من اضطراب الأوضاع السياسية والعسكرية في العالم خلال 2023، ما يرشح استمرار حالة عدم اليقين بشأن أساسيات العرض والطلب في الأسواق الآسيوية، مضافًا إليها عوامل الطقس، وفقًا لمنصة إس آند بي غلوبال (S&P Global).

وعلى مستوى مؤشرات الاقتصادات الكلية، تواجه أسعار الغاز المسال تحدي ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا، في إطار محاولة البنوك المركزية كبح جماح التضخم المتفاقم منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وتؤثر هذه الإجراءات بطبيعة الحالة في النمو الاقتصادي والطلب على الطاقة في معظم الاقتصادات العالمية، كما ينعكس على استهلاك الكهرباء والطلب على الغاز الطبيعي المسال.

تأثير أسعار العملات

ستتأثر واردات الغاز المسال لمعظم الدول الآسيوية في هذه الحالة بحجم احتياطيات العملات الأجنبية وقوة عملاتها وضعفها أمام الدولار، كما ستتأثر بتوقعات نمو الناتج المحلي العالمي.

وتتوقع منصة إس آند بي غلوبال انخفاض نمو الناتج المحلي العالمي مؤقتًا إلى 2.2% في عام 2023، ثم ينتعش بعدها إلى 3.1% في عام 2024، مقارنة بنحو 3.4% في عام 2022.

ولا يتوقع كبير الاقتصاديين في منصة إس آند بي غلوبال، بول غريونوالد، اختلاف التوقعات الاقتصادية لعالم ما بعد كورونا عن ذي قبل، في إشارة متشائمة إلى أن شبح الركود ما زال يلوح في الأفق.

الصين تضغط على الأسعار

على الجانب الآخر تواجه أسعار الغاز المسال في الأسواق الآسيوية احتمالات التقلب واستمرار مستوياتها القياسية بعد ظهور مؤشرات قوية على تعافي الاقتصاد الصيني من تداعيات فيروس كورونا.

وأعلنت الحكومة الصينية في 28 ديسمبر/كانون الأول 2022 وقف إجراءات مطالبة المسافرين الوافدين بالحجر الصحي بداية من 8 يناير/كانون الثاني 2023، ما يُعدّ تطورًا نوعيًا كبيرًا في تخفيف الإجراءات الاحترازية الصينية الصارمة منذ بداية الجائحة.

ويتوقع مراقبون عودة النشاط الصناعي في الصين إلى الانتعاش، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الطلب المحلي في أكبر دولة من حيث السكان في العالم (1.4 مليار نسمة تقريبًا).

وستدفع هذه التوقعات أسعار الغاز المسال في الأسواق الآسيوية لمواصلة مستوياتها المرتفعة منذ عام 2022، في حين يرى محللون آخرون إلى أن شبح الركود العالمي قد يخفض شهية الطلب الصيني على الغاز.

متوسط السعر الآسيوي 34 دولارًا

لا يتوقع مدير قسم الغاز والطاقة وحلول المناخ في منصة إس آند بي غلوبال، إنسيتس زي شين تشونغ، ظهور أثر الطلب الصيني في أسعار الغاز المسال قبل الربع الثاني من عام 2023.

وبلغ متوسط أسعار الغاز المسال على مؤشر” جيه كيه إم” الآسيوي قرابة 34 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بنسبة ارتفاع تجاوزت 126% عن المتوسط البالغ 15 دولارًا تقريبًا في عام 2021.

ويتوقع خبير أبحاث الغاز والطاقة في منصة إس آند بي غلوبال جيمس تافرنر، انخفاض متوسط السعر 27.4 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية خلال 2023 كاملًا، يتخلله انخفاض أكبر إلى 23 دولارًا في صيف 2022.

وفي المقابل يتوقع محللو السلع في مؤسسة سيتي ريسرش، ارتفاع متوسط الأسعار إلى 36 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في الحالة الأساسية لعام 2023.

بينما يتوقع انخفاض هذا المتوسط إلى 24 دولارًا في حالة التوازن، استنادًا إلى أن نقص المعروض في أوروبا سيقود إلى استمرار التجار في العزوف عن الآسواق الآسيوية التي ينخفض مؤشر أسعارها الآسيوي “جيه كيه إم” عن المؤشر الأوروبي في مركز تداول الغاز بهولندا “تي تي إف”.

وتواجه أوروبا تحديات مضاعفة في تلبية احتياجاتها الكاملة من الغاز خلال عام 2023، إذ سيتعيّن عليها البحث عن بدائل لتلبية كميات ضخمة تعادل حجم الإمدادات الروسية المنقطعة بصورة شبه كاملة منذ سبتمبر/أيلول 2022.

أزمة أوروبا تتفاقم في 2023

اعتمدت أوروبا على الغاز الروسي بنسبة 40% من إجمالي وارداتها، لكن لم تنقطع هذه الإمدادات مرة واحدة منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، بل ظلت تنخفض تدريجيًا إلى أن وقعت انفجارات غامضة في خطوط نورد ستريم نهاية سبتمبر/أيلول 2022.

وأدى هذا الانقطاع التدريجي إلى ارتباك الحكومات الأوروبية التي لجأت إلى مزاحمة الاقتصادات الآسيوية ومنافستها في تحويل دفة سفن الغاز المسال المنقول إليها بحرًا مهما كانت التكاليف، الأمر الذي دفع أسعار الغاز إلى الاشتعال أضعافًا مضاعفة خلال 2022.

وتواجه الحكومات الأوروبية مأزقًا مضاعفًا في ملء خزانات الغاز الضخمة خلال عام 2023، بعد تفريغها في شتاء 2022، ما يرجح استمرار المنافسة على الغاز الطبيعي المسال المتجه إلى آسيا.

كما يرحج استمرار تدخل الحكومات في أسواق الطاقة لدعم المستهلكين في مواجهة أزمة اشتعال أسعار الغاز المسال عالميًا، ما قد يسهم في استمرار الطلب المرتفع على الغاز في 2023.

كما يتوقع ارتفاع حدة الخلاف بين الحكومات والموردين المستفيدين من اشتعال أسعار الغاز المسال، ما يعزز من حالة عدم اليقين بالنسبة إلى الشركات والاستثمارات العالمية في قطاع الغاز

ولاحظ بنك أوف أميركا زيادة طفيفة في استثمارات النفط والغاز العالمية بقيمة 70 مليار دولار فقط في عام 2022 الذي بلغ إجمالي الاستثمارات فيه قرابة 400 مليار دولار.

ويُعد هذا الرقم ضعيفًا بالمقارنة بحجم الاستثمارات العالمية البالغ 761 مليار دولار في قطاع النفط والغاز عام 2014، وفقًا لمذكرة أصدرها البنك لعملائه في ديسمبر/كانون الأول 2022.

المصدر : الطاقة