أخبارالطاقة النووية
نائب رئيس هيئة المحطات النووية السابق: الطاقة النووية أكثر المصادر أمانًا واستدامة.. والضبعة من المحطات الأعلى أمانا عالميًا
حوار محمد عبد السلام
أكد الدكتور علي عبد النبي، نائب رئيس هيئة المحطات النووية للمشروعات في موقع الضبعة المصرية السابق، أن الطاقة النووية باعتبارها أهم مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة حصلت أخيرًا علي فرصتها الذهبية في مؤتمر COP28، في ديسمبر الماضي بدولة الإمارات العربية المتحدة، مبينًا أن COP28 أوصى بضرورة مضاعفة إنتاج الطاقة، والتي يبلغ عددها 440 مفاعلا حول العالم، لثلاثة أضعاف بحلول عام 2050.
وأوضح الدكتور علي عبد النبي، في حواره، أن الطاقة النووية تُعد أكثر مصادر الطاقة أمانًا واستدامة بين كافة مصادر الطاقة المتجددة الأخري، لا سيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية، وأن حوادثها ضئيلة وتُعد حلات استثنائية نادرة جدًا في مقابل حوادث المؤسسات الصناعية الإنتاجية الأخرى.
وإلي نص الحوار
** مؤخرًا أصدر برنامج التعاون الفني للوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا بعنوان “الطاقة النووية ليست غير مستدامة كما يعتقد البعض”، فهل تعتقد أن الطاقة النووية هي الحل بالفعل لمستقبل مستدام؟
الحقيقة لقد تأخر المجتمع العلمي إصدار مثل هذا التقرير، فكلنا ندرك جيدا أن الطاقة النووية من أنظف أنواع انتاج الطاقة علي الإطلاق، وهي وحدها القادرة على توفير طاقة فعالة وموثوقة ونظيفة، وهو ما يحل مشكلة الموثوقية التي تعاني منها حلول الطاقة المتجددة القائمة على الطبيعة، فالطاقة النووية ليست نظيفة فقط، ولكنها قادرة علي التغلب على الطبيعة المتقطعة لمصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة المائية والطاقة الشمسية.
** لكن البعض يتخوف، وعلي رأسهم منظمة السلام الأخضر، عن شكوكهم حول الطاقة النووية، وحذروا من الأخطار وأنها ليس بالمستقبل ولا النظيف ولا المستدام؟
لا اعرف لماذا هذا التخوف، فالعالم به أكثر من 440 مفاعل لإنتاج الطاقة، ذات قدرة كهربائية مجمعة تبلغ معا يعادل 374.6 جيجاوات، بما يساوي 11% فقط من إنتاج الطاقة عالميًا، وهناك بالفعل 61 مفاعلًا قيد الإنشاء، و92 مفاعلًا مخططًا في المستقبل القريب، بقدرة مشتركة تبلغ حوالي 68 جيجاوات، و90 جيجاوات، بل أن هناك مقترحات لإنشاء 343 مفاعلًا إضافيًا حول العالم، وذلك تأكيدًا لمدى أمان الطاقة النووية، وبما يؤكد أيضًا أن الطاقة النووية في الواقع النسخة الوحيدة التي يمكنها توفير طاقة رخيصة وموثوقة وخالية من التلوث لعالم يزيد عدد سكانه عن 8 مليارات نسمة، والأهم أنها قادرة على تحقيقي الهدف الرئيسي المتمثل في خفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050.
** ولكن لماذا لا يتم اعتمادها على نطاق أوسع حتي الآن؟
الحقيقة أن الإنسان عدو ما يجهل، ودائمًا ما كان يتم الترويج علي أن الطاقة النووية هي طاقة مدمرة وخطرة علي حياة الإنسان، خاصة وأن ذاكرة الإنسانية ربطت بين الطاقة النووية، وإنفجارات قنبلتي هيروشيما ونجازاكي المدمرتين، رغم أن هناك اختلافات جوهرية بين التقنيتين، ولكن كل شيء تغير في COP28 في الإمارات العربية المتحدة، والذي أرى في توصياته فرصة ذهبية للطاقة النووية.
** كيف أثرت توصيات COP28 في مستقبل الطاقة النووية؟
لقد منحتها قبلة الحياة، فقبل COP28 كانت كل المؤتمرات التي يتم عقدها لم يُتخذ أي قرارات بخصوص الطاقة النووية، وإذا تم اتخاذ أي قرار لا يتم تنفيذه، لأن هناك لوبي ضخم مؤيد للبترول والفحم والغاز كان يقف ضد تنفيذها، ولكن في COP28 كان الأمر مختلف، فقد أوصى بأن الطاقة النووية هي مستقبل الطاقة النظيفة علي الأرض، وأنه من الضروري أن يتضاعف ثلاثة مرات علي الاقل في 2050، هذه التوصية منحت الطاقة النووية قُبلة الحياة.
** ربما يتخوف البعض من حجم الكوارث وانفجارات داخل المفاعلات مثلما حدث في تشرنوبل الأوكرانية وفوكوشيما اليابانية؟
دعنا نعترف أنه لا توجد تكنولوجيا خالية علي الإطلاق من المخاطر على الأشخاص أو البيئة، ولكن كل الشواهد والأدلة تُثبت أن الطاقة النووية أقل خطورة من أي مصادر صناعية أو إنتاجية أخري، فإذا ما نظرنا إلي حادثة تشيرنوبل علي سبيل المثال، فكانت مجرد خطأ بشري وليس تقني، ففي صباح يوم السبت 26 أبريل من عام 1986، قرر الباحثون عمل مُحاكاة دون حساب لأي معايير، ما أدي لحدوث كارثة نووية في الأسوأ في التاريخ، ولكنها لم تخلف سوي 134 قتيلا، و200 مُصابا فقط، في حين أن كارثة بوبال أو كارثة مصنع يونيون كاربايد في الهند، والتي حدثت في ديسمبر 1984، هي من أسوأ الكوارث الصناعية في التاريخ، بل وتفوق كارثة تشرنوبل بمئات المرات، فقد أدت إلى انطلاق غاز ميثيل إيزوسيانات وتعرض أكثر من 700 ألف شخص لغاز ولمركبات كيميائية آخرى، وبلغت حصيلة الوفيات حوالي 18 ألف ضحية، بالإضافة إلي ما بين 150 إلي 600 ألف حالة إصابة، بينهم أكثرمن 50 ألف حالة إعاقة كاملة.
** وماذا عن حادثة فوكوشيما الياباني؟
ما دخل التكنولوجيا النووية بذلك الحادث، العالم كله يعلم جيدًا ان حادث مفاعل فوكوشيما في مارس 2011 يرجع إلى عدة عوامل خارجية، أهمها زلزال ضخم بلغت قوته 9 درجات ضرب الساحل الشرقي لجزيرة هونشو اليابانية، أعقبه تسونامي أدى إلى أمواج بارتفاع وصل إلى أكثر من 10 أمتار، وتبع ذلك حادث في محطة فوكوشيما داييتشي للقوى النووية، صُنف في نهاية المطاف عند المستوى السابع، أي حادث كبير على المقياس الدولي للأحداث النووية والإشعاعية، ولكنه في نهاية الأمر حادث عارض جاء نتيجة كارثة طبيعية.
** مؤخرًا دخلت مصر والإمارات تجربة الطاقة النووية، وحاليا يتم تنفيذ مفاعلات موقع الضبعة في الساحل الشمالي لمصر، ومفاعلات براكة للطاقة النووية في دبي والبعض قد يتخوف من عامل الخبرة لدى الدولتين أو تأثير المحطات على المناطق المحيطة ويتسأل عن معدلات الأمان؟
مقاطعًا.. هذه التخوفات ليست في محلها، وليس لها علاقة بالواقع العلمي، لأن مفاعلات الطاقة النووية نموذج عالمي، يقوم بإدارتها أشخاص على مستوي من المهارة والتدريب لا يشوبه شائبه علي الإطلاق، فسواء محطة الضبعة في مصر، أو محطة براكة في الإمارات، ستكون عبارة عن جزر منعزلة تقنيًا عن بقية المجتمع، وستتحول إلي واحات تكنولوجية عالمية لا يوجد لها مثيل سوى في مفاعلات العالم الأول، ومن يتشرف بالعمل داخل تلك المفاعلات سيتم الموافقة عليه بعد أن يكون قد حصل علي أعلى المستويات التدريبية والتشغيلية في العالم، والعالم نفسه لن يرضي بغير ذلك علي الإطلاق، خاصة وأنه يعلم أن الحوادث النووية عابرة للقارات.
** نعود إلي الطاقة النووية والاستدامة، آلا تري أن التكلفة، وليس السلامة، هي العقبة الرئيسية التي يجب التغلب عليها لتوفير الطاقة؟
ربما يكون هذا صحيحًا، ولكن علينا أولًا أن نتسائل عن مدى توافق أي تكنولوجيا للطاقة مع أهداف التنمية المستدامة، وأنه لابد أن يتم تقييمه بشكل نسبي في ضوء البدائل الأخري، هنا سندرك أن التكاليف الباهظة سيمكن خصمها من كافة الخسائر الأخري، الخسائر التي تسببها الانبعاثات الكربونية والنفايات الأخري الملوثة للبيئة، فإذا كانت الطاقة النووية مصدر لإنتاج الطاقة المنخفض الكربون، والوحيد الذي أثبت جدواه، كما إنه قابل للتطوير ويمكن الاعتماد عليه، فسيكون لزاماً على الطاقة النووية أن تلعب دوراً محورياً إذا كان للعالم أن يقلل من اعتماده على الوقود الأحفوري لمعالجة تغير المناخ وتلوث الهواء المزمن.